منوعات

حصري قراءة رواية الماسة المكسورة الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم ليلة عادل

من خلال موقع المجد برس تستعرض معكم في هذا المقال ،رواية الماسة المكسورة الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم ليلة عادل ، لمزيد من التفاصيل حول المقال تابع القراءة

رواية الماسة المكسورة الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة البارت الثامن والثلاثون

رواية الماسة المكسورة الجزء الثامن والثلاثون

رواية الماسة المكسورة الحلقة الثامنة والثلاثون

[بعنوان: مابين الغضب والقهر والندم]نظر له سليم، وهو يحاول لجم جماح غضبه، بنظرات شديدة القسوة، تغيم بالسواد، تلك النظرة التي تسبق العاصفة، بعيون تشتعل من الغضب، كأن داخلها يحترق، تحدث بين أسنانه، كما لو أن الكلمات تخرج منه بصعوبة، أمسكه من يده بشدة، ساحباً إياه بقوة، وكأن كل حركة منه توحي بأنه على وشك الانفجار.
سليم، بنبرة باردة تحمل في طياتها شدّة خفية، قال بالإيطالية: تعالى معي، سأعرفك عليها الآن.
تحرك الاثنان واقتربا من مجموعة الفتيات، توجه سليم بخطوات واثقة نحو ماسة، توقف بجانبها وقال بالإيطالية: ماسة، تعالي لأعرفك على روبرتو، كان صديقًا لي منذ دقائق فقط.
نظرت إليه ماسة بتعجب، معقّدة حاجبيها بعدم فهم واضح لمقصده، دون أن يمنحها فرصة للتفكير، أحاط سليم خصرها بذراعه بحركة تدل على التملك.
أكمل بإبتسامة واثقة وهو يشير بيده نحوها: وهذه ماسة سليم الراوي، زوجتي.
تسمرت نظرات روبرتو عليها، واتسعت عيناه بصدمة وملامح وجهه تحولت إلى اعتذار مذعور بتلعثم قال: سليم، أعتذر… لم أكن أعلم أنها زوجتك، صدقني! لم ألاحظ أي خاتم زواج في يدها.
ارتسمت على شفتي سليم تلك الابتسامة المستفزة التي تحمل خليطًا من السخرية والاستخفاف،هز رأسه قائلاً ببرود: آه… الخاتم؟ أهذه هي المشكلة حقًا؟
ثم أطلق ضحكة عالية بصوته العميق الذي حمل رهبة للمحيطين به.وبلمح البصر، وجه سليم لكمة قوية إلى روبرتو أصابته في وجهه مباشرة، فأطاحت به بعنف إلى الخلف ليسقط على الطاولة الزجاجية، محطماً إياها جعلته يرتطم بالأرض بين شظايا الزجاج مع صرخات المارة التي ملأت المكان، بينما توقفت ماسة على جانب، غارقةً في دموعها وخوفها، كانت عيناها تتابعان سليم في حالته الهستيرية تلك .. هرول سليم نحوه بغضبٍ جامح، وأمسك بياقة قميصه بقوة، رافعًا إياه عن الأرض، حدّق في وجهه الملطّخ بالدماء بنظرةٍ أشبه باللهيب، وكأن عينيه تبحثان عن إجابةٍ لبركان الغضب الذي يعتمل داخله.
سليم، وقد انتفخت شرايينه من شدة الغضب، وعيناه حمراء كالجمر، انفجر بصرخة قاتلة وهو يوجه كلامه بالإيطالية: معجب بزوجتي!! هل فقدت عقلك؟ معجب بشيء يخص سليم الراوي؟!
وفجأة، بدأ يوجه لكمة تلو الأخرى، متتالية وقوية، على وجه روبرتو، حتى أصبح غارقاً في الدماء، شبه فاقداً للوعي، وكسر أنفه وبعض أسنانه، وسليم لا يزال يهتف بغضب جنوني، صوته يرتجف من الحقد: هل تعجب بشيء يملكه سليم؟! مجنون أنت! هل فقدت كل احترام؟!
ثم نظر إلى أصابع ماسة، التي غاب عنها الخاتم، فأكمل بصرخة يملؤها الاستفزاز: لم ترتدي خاتم الزواج! هل هذا يعني أنك تعجب بها؟ أيها الحقير!
كان سليم في حالة غياب تام عن الوعي، غضبُه أعمى عينيه وجعل عقله في حالة هذيان، لا يدرك ما يفعله. لم يكن هذا المشهد سوى لحظات معدودة، لكن شدتُه كانت كالدهر.
أما ماسة، فقد كانت تقف في مكانها، صامتة، عيناها مليئة بالدموع، مصدومة من هذا الانفجار العنيف. فلأول مرة تراه بهذا الشكل، بهيئة لا تشبهه، ولم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة، إذ أن الصدمة أكبر من أن تستوعبها.
ركض ياسين ومعه مجموعة من الشباب، بما فيهم مكي وعشري، محاولين بكل قوتهم الإمساك بسليم وإبعاده عن روبرتو قبل أن يقتله، فالأمور تتصاعد بسرعة، لكن سليم في حالة من الهياج التي لا يمكن السيطرة عليها.
ياسين وهو يحاول سحبه بيديه: سليم، خلاص، هيموت في إيدك! كفاية.
لكن سليم لم يكن يستمع، يركل روبرتو في بطنه بكل قوته وهو يصرخ بصوتٍ مليء بالغضب: أنا عايزه يموت! معجب بمراتي، فاهم يعني إيه؟! بص لحاجة ملك سليم، ملكي أنا!
ركله مرة أخرى في جنبه بقوة اهتز جسد روبرتو، تابع بجنون: أنا هقلعلك عينيك دي يا كلب، إللي بصّت لمراتي!
ثم ركله مرة أخرى، بضربات متتالية بلا رحمة.
فسليم في حالة من فقدان الوعي التام، غاضباً لدرجة أن عقله غاب عن كل شيء، لا يرى سوى الانتقام من الرجل الذي تجرأ على النظر إلى زوجته.
مكي، محاولا سحب سليم من كتفه، شعر بأن محاولاته تذهب هباء منثورا، فكأن سليم ثور هائج لا أحد يستطيع إيقافه.
مكي وهو يحاول جذبه: سليم، فوق! كفاية!
بعد محاولات عديدة، نجح مكي وعشري في إبعاد سليم قليلاً عن روبرتو.
توقف ياسين فجأة، قافزاً ليكون حاجزاً بين سليم و روبرتو، لمنع سليم من قتله في اللحظة الأخيرة.
ياسين، متوقفاً بينهما: كفاية يا سليم، ماكنش يعرف… وجه نظراته لمكي …مكي خده واطلع بيه برة، أنا مش قادر عليه.
قبل أن يلمسه مكي أو أي من الحراس، نظر إليهم سليم بنظرة مرعبة قالا.
سليم، بقوة وصوت جهوري:محدش يقرب مني! فاهمين؟
ثم نظر إلى روبرتو وركله مرة أخرى في بطنه بشدة، وبصق عليه بغضب غير مبرر.
استدار سريعاً، ونظر إلى الحراس وعشري،أشار بإصبعه نحو روبرتو، وقال بصوت جاف وحاسم:
الكلب ده يترمى بره ويسافر على بلده، عشان لو فضل هنا لبكرة هقتله.
عشري، بطاعة : أمرك يا باشا.
ثم وجه نظراته إلى ماسة، التي كانت تقف جانباً، مذهولة، تتأمل ما يحدث بصدمة ورعب، لم تكن تفهم سبب تصرف سليم بهذه الطريقة، وعيناها مليئتان بالدموع التي كانت تهبط بصمت، وهي تهز أهداب فستانها بتوتر.
اقترب منها سليم بخطوات سريعة، ونظر إليها بنظرة مجنونة، ثم قال بنبرة مرعبة
سليم، بإقتضاب: يلااا.
ابتلعت ماسة ريقها بصعوبة، وأخذت تهز رأسها برفض، لا تريد أن تذهب معه وهو في هذه الحالة،
وعندما لاحظ سليم توقفها، شعر بالغضب يتزايد، فجز على أسنانه بشدة، أمسك بها من كتفها وسحبها بقوة وهو يقول.
سليم، بأمر وشدة: قولت يلاا!
جذبها بشدة من كتفها، وهو يجرها للخارج، لم يعطِها فرصة للمقاومة أو التفكير.
_ في الخارج…
كان سليم يقف مع ماسة تحت جناح الليل البهيم في انتظار السيارة، ويده قابضة بشدة على كتفها، كانت ملامح ماسة تعكس مزيجًا من التوتر والرعب، عيناها تترقب أي لحظة للهرب من هذا الموقف.
وصلت السيارة أخيرًا.
تناول سليم المفتاح من الحارس بنظرة باردة، وقال بنبرة قاطعة: محدش يركب معايا.
تردد الحارس قليلًا قبل أن يجيب: بس يا…؟
قاطعه سليم وهو يحدق فيه بعينين مشتعلة كاللهب، نظرة حبست الكلمات في حلق الحارس: بس إيه؟
بهدوء وتحفظ، فتح مكي باب السيارة وقال: اتفضل… وإحنا وراك.
استدار سليم نحو ماسة وأمرها بنبرة صارمة لا تقبل النقاش: اركبي.
هزت ماسة رأسها بسرعة، وجسدها يتراجع إلى الخلف بخوف واضح، وقالت بصوت مرتجف رافض:
لا..لا.. إنت قولتلي ما أقفش معاك وإنت كده، أنا هروح مع ياسين القصر.
حاولت الابتعاد، عازمة على الهرب من قبضته ومن ذلك الغضب الذي لم تعرف له حدًا.
ولكن قبل أن تخطو خطوة أخرى، جز سليم على أسنانه، وعيناه تتوحشان كأنه على وشك الانفجار، ثم دفعها بقوة نحو السيارة دون أن يتفوه بكلمة. فلم يكن واعيًا تمامًا لما يفعل؛ كان الغضب يحركه دون أن يدرك كريشة في مهب الريح.. لقد أعمت نيران الغضب بصره و بصيرته.
سيارة سليم.
قاد سليم السيارة بسرعة جنونية جعلت عجلاتها تصرخ تحت وطأة الطريق، بينما كانت ماسة جالسة بجواره، مرتعبة تمامًا، تبكي وتتوسله أن يهدئ من سرعته.
ماسة بخوف شديد، وسط دموعها التي تهطل دون توقف: سليم، سوق بالراحة… يا سليم، بالراحة أرجوك!
لكن سليم لم يلتفت إليها، كانت عيناه مثبتتين على الطريق أمامه، وجهه متجهم، وعروقه نافرة من شدة الغضب والغيرة.
سليم، بنبرة مضطربة وهو يضغط على الكلمات بقوة: قالي إنه معجب بيكي.
ماسة بتوسل يائس، بين شهقات بكائها: سليم، إهدى! أرجوك إهدى!
لم يتوقف سليم عن الحديث، وكأن كلماته كانت تعبيرًا عن حمم بركان يثور بداخله قال بنبرة مليئة بالخوف أن يأخذها منه: كان بيبصلك من أول ما جيتي! كان عايز ياخدك مني! عايز يحرمني منك!
ماسة بصوت مخنوق ودموع لا تتوقف، تتوسل من جديد: سليم، بالراحة… بالراحة أرجوك، كفاية! أنا خايفة!”
التفت سليم نحوها للحظة، وعينيه تلمعان بمزيج من الغيرة والحب المتملك، وقال بحسم: مستحيل حد ياخدك مني! الحاجة الوحيدة اللي هتفرقنا هي الموت، فاهمة؟!”
أعاد نظره للطريق، وضغط على دواسة البنزين بقوة، لتزداد السرعة أكثر.
ماسة بصوت مرتجف وهي تحاول طمأنته رغم رعبها الشديد: مافيش حاجة هتبعدنا عن بعض، مافيش حد هايخدني منك، أرجوك وحياتي عندك، أهدى! أهدى ياسليم..
لكن سليم كأنه لم يسمعها من الأصل تابع بنبرة مختنقة بالدموع والغضب : محدش هياخدك مني! الموت بس هو اللي هياخدك!
ضغط على دواسة البنزين مرة أخرى أكثر جنونا، لتزداد السرعة أكثر وأكثر
بدأ يكرر تلك الجملة باضطراب كأنه يتحدث إلى نفسه، فالغضب الجامح يسيطر على عقله بالكامل.
استمر بقيادة السيارة بجنون، بينما ظل توسّل ماسة وبكاؤها يتردد في الأرجاء ، تحاول عبثًا تهدئته وإنقاذهما من المصير المجهول.
______♥️ بقلمي_ليلةعادل ♥️______
مزرعة الفيوم، الساعة الثانية عشر ليلا
فور وصولهما إلى المزرعة، هرولت ماسة من السيارة بسرعة وركضت نحو الداخل، محاولةً الهروب منه بأي وسيلة، لكنه كان أسرع منها، لحق بها وأمسك بكتفها بقوة قبل أن تصل إلى باب الشالية.
اقترب بوجهه منها، ناطقاً بحنق مكبوت: رايحة فين؟ لسه ماخلصناش..حسابك لسه معايا قدامي يلاا..
ثم دفع الباب بقدمه بقوة، ودخل بها إلى الداخل، مغلقاً الباب خلفه بعنف.
فور دخولهما… أمسك سليم بشعرها بقسوة، ولف خصلاته حول يده بإحكام. هو ينظر داخل عينيها.
سليم، بصوت خافت ومرعب تساءل بصراخ: عملتي إيه خلاه يعجب بيكي؟… قولي.
ماسة بنفي وهي تهز رأسها بسرعة وتنظر إليه بعينين غارقتين في الرعب والدموع، حاولت الدفاع عن نفسها بصوت مختنق: والله ما عملت حاجة، ولا كلمته… ما شفتوش غير معاك، والله!
صرخت بألم عندما شعرت بشدة قبضته على شعرها:
“آه! شعري… حرام عليك! ماعملتش حاجة… سيبني بقى!
سليم وهو يتحدث من بين أسنانه بعينين مستوحشتين رد عليها متعجباً وهو يتك على كلمة: معملتيش حاجة!!
رفع يده الأخرى وصفعها بقوة جعلت صدى الضربة يتردد في المكان، صرخ في وجهها بغضب يكاد يمزق أحباله الصوتية بعينين كادت ان تخرج من محجرها: انطقي! عملتي إيه؟
قبل أن تجيب وجه لها صفعة أخرى أقوى..
ماسة بانهيار وبوجه أحمر أثر الضرب بصوت محشرج: معملتش حاجة والله العظيم ماعملت حاجة ماشفتهوش إلا معاك.
سليم بجنون وهو يحدق النظر بها بإتساع عينه أمسكها من كلا كتفها الأتنين وعدلها لتتوقف أمامه هو ينظر لها مع استماع لتأوهات ماسة من قوة المسكة.
سليم، بصوت خافت لكن مليء بالغيرة و التملك: واقف قصادي وقالي إنه مشلش عينه من عليكي !!! وإنه عايز يتعرف عليكي.
انتهى من كلماته تلك وسرعان ما أعطاها صفعة قوية على وجهها، دفعها بقسوة فسقطت على الأرض
مع الاستماع لصرخاتها المتألمة بوجع، عادت وهي تزحف على الأرض بظهرها وقدميها للخلف، وهي تنظر بعينيها الواسعتين المملوءتين بالرعب والدموع تهبط على وجينتها من ذلك المختل ..
بلا رحمة، اقترب منها وجلس أمامها في وضع القرفصاء، سحبها من قدميها نحوه، أمسك كتفها وقربها إليه، بقوة لدرجة أنها شعرت وكأن عظامها ستنكسر. نظر إلى أصابع يديها بتساؤل، وكأن هناك شيئًا يثير فضوله.
سليم بجنون واضطراب: خاتمي فين؟
ماسة وهى تنظر إلى أصابعها برعب بصوت يخرج بصعوبة: معرفش
سليم، بصراخ شديد وبحشرجة في صوته الرجولي التي جعلتها تنتفض من شدة تأثيره، قال وهو يمسك بها بعنف: يعني إيه معرفش؟ فين خاتمي؟ بقولك!
انتفضت ماسة برعب، يكاد قلبها يقفز من صدرها وهي تأخذ أنفاسًا متسارعة، ترتجف بشدة، والدموع تنهمر على وجنتيها، تحاول أن تتذكر. وبعد لحظات من التوتر الشديد، تذكرت.
ماسة، بشهقات متقطعة: أه… أه، نسيته على الحوض وأنا بغسل إيدي، آسفة، آسفة! والله ما هيحصل تاني.
نظر سليم إليها بعينيه المتسعتين، نظرة غريبة مليئة بالدهشة، ثم تحولت نظراته إلى شيء مظلم ومرعب.
قال متعجباً: آسفة! بتقولي آسفة؟
قبض كفه على كتفها بقسوة أكبر وكان يبدو على ملامحها أنها تتألم .. أكمل وهو يقول:
بعد أيه؟ بعد ماخليتي الراجل يبصلك بصة إعجاب !! إنتى لو فارق معاكي مكنتيش قلعتي خاتمي من إيدك ..
وجه ظهر يده إلى وجهها وقربه بشدة ليطلعها عليه و أكمل بإضطراب:
شايفة !! ! دي دبلتك! مش بقلعها ثانية واحدة، وإنتي بتقلعي خاتمي عادي والمفروض أسامح وأغفر؟
ماسة برعب توسلت ببكاء: مش هعمل كدة تاني، والله ماهعمل كدة تاني، أنا أسفة، ماتضربنيش يا سليم حرام عليك، كفاية إنت وعدتني بإنك هتتغير وهتحاول تسيطر على نفسك أرجوك أرحمني.
لكن سليم لا يستمع إلى حديث ماسة، ولا لتوسلاتها، ولا لرعبها لم يكن يأبه لتلك الدموع التي أغرقت وجهها، ولا لعيونها الحمراء المتورمة من البكاء والصفعات، كان قلبه معميًا، وعقله مغلقًا عن كل شيء حوله، كان غارقًا في جنونه فقط، شد على كفها بشدة لدرجة أنها شعرت وكأن عظام كفها سينكسر، بين يده، كانت صرخاتها الموجوعة تتردد في المكان.
سليم، بصوت غاضب وتهديده: إنتِي فعلاً مستحيل تنسي تاني، عشان أنا مش هخليكي تنسي تاني.
فجأة، دفعها بقوة شديدة حتى ارتطمت بالأرض، وكان كما لو أن غضبه انفجر دفعة واحدة، انهال عليها بالصفعات متتالية على وجهها. بينما كان صوته يعلو بجنون من شدة الغضب قال:
خاتم سليم ميتقلعش من إيدك فاهمة !!!
خاتمي ميتقلعش من إيدك مهما حصل لحد ماتموتي وتنزلي قبرك خاتمي ميتقلعش.
من شدة الصفعات غاب وعيها، ونزف وجهها دمًا، رفعها سليم من كتفها وهو يحدق بها، غير مدرك لما فعله..
أكمل وهو يهزها بشدة، ممسكًا كتفيها بقوة وصراخ: ردي يا ماسة متحرقيش قلبي أكتر ماهو محروق .. ردي بقى.
جز على أسنانه بضجر وألقاها أرضًا. نهض مرة واحدة ومسح وجهه قائلاً بأمر وصراخ: قومي، ردي عليّا، بقولك!
أخذ ينظر إليها لثوانٍ بتركيز، وفجأة بدأ يرى بوضوح، كأن هناك حائلًا على عينيه بدأ يتلاشى تدريجيًا.
بدأ ينتبه لحالتها، اتسعت عيناه، توقف أمامها ووضع يده على فمه بصدمة، وهو يمرر عينيه عليها ليشاهد ما فعله بها بوضوح تام، ذلك الوحش المفترس الذي كان عليه منذ لحظات جعله يفتك بقطعة السكر خاصته.
قال بنبرة مكتومة ومهتزة، وكأن الكلمات تخرج بصعوبة شديدة من حلقه، وهو يخنق صوته قائلاً: إيه اللي عملته ده؟ إيه اللي عملته ده؟
بعد ثوانٍ، أفاق من الصدمة ومال نحوها بخوف شديد، جلس أرضًا وأخذها بين أحضانه بدموع، محاولًا إيقاظها.
سليم، بنبرة متحشرجة وعينين مغمورتين بالدموع، قال: ماسة… ماسة، ردي عليّا يا عشقي… ماسة، إيه اللي عملته فيكي ده؟! ماسة، أنا آسف، ردي عليّا والله ما كنت أقصد.
حملها بسرعة وصعد بها إلى الغرفة.
بقلمي_ليلة عادل⁦(⁠◔⁠‿⁠◔⁠)⁩ 🌹
_ غرفة النوم
_ وضعها على الفراش توجه مسرعاً إلى التسريحة وأخذ زجاجة العطر وعاد إليها وجلس على الفراش وأخذ رأسها بين حنايا صدره وضع القليل من العطر على كفه، مسح على خدها ومرر أصابع يده أمام أنفها بحنان وهو يقول بخوف وتوتر برعشة في جسده ونبرة صوته.
سليم بندم ينهش قلبه: ماسة روحي ردي عليا ياحبيبتي عشان خاطري، عشقي يلا فتحي عينيك .. مـــاسة.
بدأت تستعيد وعيها فتحت عينيها ببطء.
سليم بإبتسامة لم تصل إلى عينيه ممزوجة بدموع الندم: إنتِي كويسة يا روحي؟
اتسعت عيناها برعب ودفعته عنها وعادت للخلف مهرولة إلى زاوية الفراش برعب شديد وتضم نفسها بخوف وتقول بتوسل وبكاء شديد وهي تنتفض و تتوسل له:
سليم ماتضربنيش، والله ماعملت حاجة .. ماتضربنيش تاني، عشان خاطر ربنا ماتضربني تاني، والله ما كلمته( بإنهيار ) والله العظيم ما كلمته ولا أعرفه، مش هقلع الخاتم تاني مش هقلعه والله بس متضربنيش وحياة أغلى حاجة عندك.
كان سليم ينظر إليها بعينين نادمتين والدموع تهبط منهما بصمت، متأثرًا بالحالة التي أوصلها إليها مد يده ليُربّت على كتفها معتذرًا، لكنها ضمت نفسها أكثر، مرتجفة من شدة رعبها منه، شعر بغصة أذابت قلبه فور قيامها بذلك الفعل ..
سليم بنبرة متحشرجة بحزن و وجع: ماسة إوعي تخافي مني؟
ماسة ببكاء وهي تهتز كأنما مسها الجن من رعبها: أنا عايزة أروح عند ماما ماتقربش مني، أنا خايفة منك أوي.
صُدم سليم من كلماتها التي كانت بمثابة طعنات تخترق قلبه العاشق لها، قال بصوت مكتوم مرتجف يغلبه الحزن: خائفة مني… أنا؟!
بكت ماسة أكثر برعب وإنفعال قالت بتأييد: أيوه إنت بتضربني جامد وبتزعقلي من غير ما أعمل حاجة، كدبت عليا لما قولتلي هاحاول أسيطر على غضبي !!! بس طلعت كداب، وخدعتني، أنا عايزة أروح لماما مش هعيش معاك تاني.
أقترب سليم منها بحركات مرتبكة، وأمسك يدها برفق، ثم انحنى إلى الأسفل، دافنًا رأسه بجوار قلبها باكيًا متوسلا، والحزن يفتك به. همس بصوت مختنق بندم وجلد ذات: أنا أسف، حقك عليا يا روح قلبي، أنا حيوان، وكلب، وزبالة، وكل حاجة، بس سامحيني، غضبي عماني، و غيرتي عليكي والله العظيم ما عارف عملت كدة إزاي؟ أسف يا عشقي.
أمسك كفها وقبّله عدة مرات، ثم رفع عينيه ونظر إليها بندم: أسف، حقك عليا .. قبلها من فخذها … أسف، أسف سامحيني حقك عليا ياماسة والله ما كان قصدي معرفش عملت كدة إزاي سامحيني يا ماسة عشان خاطري والله ماهعمل كدة تاني وعد..أخذ يبكي بندم.
أخفضت ماسة عينيها له بدموع وهى تشاهده يتوسل لها ليطلب السماح …تأثرت للحظات مما يفعله، من ندم وتوسل وبكاء، وكأنّه طفل صغير يناشد أمه أن ترأف به وتغفر له خطأه، بدأت تضعف كما في المرات السابقة، مدت يدها كادت أن تضعها على شعره …
أخذت تفكر بتردد بيد مرتعشة، لكن سرعان ما تراجعت وأعادت يدها بسرعة، شعرت أن كل مرة جنونه يصبح أكثر تهديدًا وخطرا عليها، وأن قلبها الضعيف لم يعد يحتمل، قوة قلبها العاشق له، وجزّت على أسنانها،بتصنع القوة، وبغضبٍ دفعت سليم بعيدًا عنها برفض تام أن تغفر له.
قالت بإنهيار و وجع : مش هسامحك يا سليم، مش هسامحك، أنا سامحتك كتير، أنا خايفة منك، ابعد عني، متقربش مني تاني، أنا خايفة منك، خايفة أوي، أبعد عني يا سليم أبعد، ماتلمسنيش ماتحطش أيدك دي عليا، أطلع برة مش قادرة أشوفك أخرج برة.
نظر سليم إليها بصدمة، ووجع يعصف بقلبه وعقله، فقد أصبح في حالة من الضياع، لا يعرف ماذا يقول. تهوره وجنونه اللذان وضعاه في هذا المأزق، كان هو مصدر الأمان والسعادة لها، وفجأة تحول إلى مصدر للخوف والرعب والحزن، سقطت دموعه الحارة، مع حزن وندم شديدين، ثم أشار بكف يده وقال بنبرة ممزوجة بالضعف والألم:
“طب أهدي، خلاص… خلاص، هاطلع برة، ومش ها أقرب منك. خلاص… بس من فضلك، اهدي وكفاية دموع، مقدرش أشوف دموعك..
نهض سليم بهدوء، وتوقف أمام الفراش، وهو يراقبها بدموع تنهمر بندم. قال بصوت يكاد يخنقه الحزن: ماسة، أنا آسف، حقيقي آسف… ومش لاقي كلام أقولهولك غير إني ندمان على اللي عملته. سامحيني، أنا بحبك، والله العظيم بحبك أوي. ومش عارف عملت كده إزاي؟ وليه؟ أنا غبي، ومجنون بيكي، ولو فضلت عمري كله أعتذر مش كفاية يا قلب سليم من جوة .
سكت للحظة، قبل أن يخرج من الغرفة أملاً أن تقول شيئا، هز رأسه بانكسار بعد أن تأكد بأنها لم تنطق بحرف، خرج للخارج ودموعه تنهمر من عينيه. تحرك في الممر وهو ينظر إلى كفه، بغضب، ضرب الحائط بكل قوته، حتى كاد يكسره، وهو يلعن نفسه ويشعر بالمرارة والندم يعصف بكيانه لأنه آذى أميرته الصغيرة.
_ على إتجاه آخر عند ماسة
كانت ماسة تبكي بحرقة، ونهنهة تنبع من أعماقها على ما فعله معها، وهي تهتز من الداخل. لم تكن تعرف لماذا فعل ذلك، فهي لم تفعل شيئًا يستحق كل هذا العقاب. تساءلت في نفسها، ماذا يجب أن تفعل معه؟
_ على إتجاه آخر عند سليم
“فور هبوطه للأسفل، توجه سليم إلى المطبخ، وتوقف أمام البوتاجاز. أشعل أحد العيون، وراح ينظر إلى يده بغضب شديد وغل، وهو يجز على أسنانه.
تذكر ما فعله معها، ضربه لها، خوفها الشديد منه، والدماء التي تنزل من جسدها، وتلك الكلمات التي هزت قلبه: ‘أنا خايفة منك.’
وفجأة، وضع يده على الشعلة، مبتسمًا بإبتسامة مضطربة، كأنه سعيد بما يفعله بنفسه.
لكن لم تمر سوى ثوانٍ، حتى ركض نحوه مكي وعشري، ودفعاه بعيدًا بقوة.
قال مكي بلهفة: سليم، بتعمل إيه؟
رد سليم بضجر وانفعال:سبني يا مكي، أنا لازم أحرق إيدي اللي اتمدت على ماسة.
أمسك مكي بمعصمه، وقال وهو ينظر إلى آثار الحرق الطفيف: يا سليم، ده مش حل،تعال معايا، عشري هات كريم الحروق.
أجاب سليم بحدة وهو يدفعه بعيدًا: أطلع برة أنت وهو.
مكي بعناد وبحّة رجولية: مش هاطلع يا سليم، فوق.
جز سليم على أسنانه، وقعت عيناه على المسدس الذي يحمله مكي على خصره، وسحبه بلمح البصر، وصوبه نحوه.
سليم باضطراب: اطلع بدل ما أقتلك!
أتسعت عينا مكي، وهو يحاول تهدئته وهو يرفع يديه: سليم، أهدأ، إنت مش في وعيك.
رد سليم بعصبية: لا، واعي، واعي أوي كمان. شفت اللي عملته في ماسة.
مكي بعقلانية: هتتحل، أعتذر وهتتحل.
سليم باضطراب ودموع، وهو يجز على أسنانه: مش عايزة تسامحني، مش أول مرة أضربها على حاجة مالهاش علاقة بيها… خافت مني! كانت خايفة مني يا مكي. في الوقت اللي المفروض تخاف من الدنيا كلها وتتحامى فيا، خافت مني! قالتلي “أنا خايفة منك!
(صرخ سليم )أطلع برة بدل ما أقتلك، أنا لازم أعاقب نفسي!
فجأة، اقترب عشري منه الذي أتاه من الخلف بحركة سريعة،أمسكه بقوة، ثم رفع يده لأعلى، وسحب المسدس من يده.
عشري: أهدى يا سليم أهدى مش كدة.
اقترب مكي منه وهو يربت على كتفه يحاول تهدئته: سليم أرجع لوعيك مش حرقك لإيدك اللي هايخلى ماسة تسامحك.
نظر لهما سليم بوجع وتوجه إلى الخارج بصمت وضعف.
أخذ مكي نفسه: كويس إنك أخدت المسدس منه في الوقت الصح.
عشري بعدم تصديق وهو ينظر لأثار سليم: أصبر و استوعب، روح وراه، سليم فاقد الوعي على الأخر مد يده وأعطاه أنبوبة المرهم: خد دي معاك.
أخذها منه و توجه خلفه.
الهول
كان سليم يجلس على المقعد ودموعه تتساقط، بينما جلس مكي على المقعد المجاور له بصمت، يراقب سليم بعينيه.
قال سليم باشمئزاز من نفسه وبغضب: أنا حيوان أوي، بعاقبها على حاجة مالهاش علاقة بيها.
تابع بضعف ودموع:
‘بس غصب عني، مش بكون في وعيي، مابشوفش غير الإيد اللي لمست، والعين اللي شافت. الغيرة بتقتلني، بتحرقني…’
نظر له بحب متملك ثم أكمل بضعف خنق نبرة صوته:
‘هي بتاعتي أنا، مينفعش حد يقرب منها ولا يشوفها غيري. بس أنا لو فضلت كده هتضيع مني، أنا مش قادر أبص في وشها يا مكي، أعمل إيه؟ الموقف ده هيتكرر تاني وعاشر… لأني لما باغضب مابقدرش أسيطر على نفسي وأعصابي، وعدتها بس طلعت مش قد وعدي… أعمل إيه؟
مكي بعقلانية: لازم تتعلم تسيطر على غضبك، وتفتكر إنك زوج، وأن دي مراتك وليها معاملة خاصة.
سليم بإستنكار: لإنها مراتي أنا بعمل كدة.
اقترب عشري وقال بعقلانية: الحل إنك مجرد ماتحس إن الموضوع ده هيعصبك أمشي يا سليم، محدش هيقدر يساعدك غير نفسك لازم تتعود تسيطر على غضبك معاها يعني..
نظر مكي بتوجس وقال بتوتر .. روح لدكتور نفسي يساعدك.
سليم بتعجب: دكتور!! للدرجة دي حالتي عايزة دكتور!!
مكي: إنت حالتك بتسوء يوم ورا التاني
مسح سليم وجهه وهو يهز رأسه موافقا: هروح مادام ده الحل أهم حاجة إني أحافظ على وجودها جنبي هعمل أي حاجة عشان تفضل معايا، انا تخليت عن كل حاجة عشانها مش هخلي غضبي الأعمى يكون سبب بأني أفقدها…
سكت لوهلة نظر لهما بتمني تسأل:طب تفتكرو هتسامحني؟
مكي: هتسامحك بس سيبها النهاردة وبكرة اعملها مفاجأة حلوة واعتذر.
عشري: ماسة طيبة وبتحبك هتسامحك.
سليم برجاء: عايزكم لو شفتنوني متعصب تشدوني عنها مهما كنت فين، حتى لو في أوضة النوم أدخلوا شدوني فاهمين ماتسبونيش كدة تاني.
مكي: إللي عايزه هنعملوا ممكن بقى تحط الكريم على الأقل عشان تقدر بكرة تعملها مفاجأة.
سليم بحسم: لا.
نظر عشري لمكي بعينه بمعنى أن ينتظر حتى يهدأ.
((بعد وقت))
كانت ماسة ما تزال جالسة على الفراش في تلك الزاوية، تحتضن نفسها بدموع وحزن. جسدها يرتجف بشدة، والخوف يملأ ملامحها، تفكر في سؤال واحد يعصف بذهنها: لماذا فعل سليم كل هذا بها؟
مرت دقائق ثقيلة قبل أن يُفتح الباب ببطء، ودخل سليم بخطوات مترددة مليئة بالارتباك والخجل. عندما وقع بصرها عليه، زادت من احتضان نفسها بخوف، وبدت وكأنها تحاول الهروب من وجوده.
اقترب بخطوات ثقيلة، وجلس على طرف الفراش، عيناه تراقبانها بندم.
سليم بصوت مكتوم يملؤه الاعتذار: ماسة.
ماسة بجمود ونبرة مبحوحة من أثر البكاء: سليم، أطلع برة.
سليم بضعف: أنا محتاج أطمن عليكي.
ماسة بعينين غاضبتين: تطمن عليا؟! تفتكر إني هاكون عاملة إزاي؟ سليم، من فضلك أطلع برة. أنا حقيقي خايفة منك أوي، وزعلانة أوي. المرة دي مش هقدر أسامحك. مهما قلت أو بررت، مش هسامحك.
سليم بوجع، وعيناه تذرفان بدموع الندم: إنتِي بتقتليني بالكلام ده، كأنك ماسكة سكينة باردة وبتطعنيني بيها.
ماسة بصوت مرتجف: وإنت كمان مسكت نفس السكينة وقتلتني بيها، سليم. أنا ما عملتش حاجة تستحق ده، كل ده علشان نسيت ألبس الخاتم؟ وحتى لو كنت قاصدة، ما أعتقدش إني أستحق كل اللي حصل.
سليم بقهر: عارف، والله عارف. أنا غلطت، وزودتها… غيرتي عمتني، لما قالي إنه معجب بيكي، اتجننت. ولولا عدم وجود الخاتم ما كانش فكر يبصلك، عارف مش مبرر بس والله ده اللي حصل سامحيني ياماسة، أوعدك، والله العظيم، إنها آخر مرة. أنا لازم أتحكم في غضبي، دي مشكلتي، وأنا لازم أعالجها ثقي في وعدي المرة دي.
نظرت إليه بعينين متحجرتين، لا تصدق أي كلمة مما يقول. لقد وعدها من قبل، ولم ينفذ..مد يده نحوها محاولًا لمسها، لكنها سحبت قدميها بعيدًا. رأى في عينيها انكسارًا وخذلانا، صعب أن يشفى بسهولة، فأنزل يده بهدوء بوجع عصف بقلبه.
سليم بانكسار: أنا هسيبك براحتك، مش هضغط عليكي، اعملي اللي تشوفيه مناسب. مهما عملتي، أنا هارضى، لأني أستاهل. أنا مجرم، لكن… ممكن تسمحيلي أنام هنا؟
ماسة بحزم: لا لسه خايفة منك، ووجودك بيخليني أحس بالخوف أكتر.
نظر إليها بغضب مكبوت، وألم يمزق صدره فكلماتها أشبه بطعنات متتالية في قلبه.
سليم بصوت حاد، محاولًا كبح غضبه: ماسة… أبوس إيدك، ما تقوليش الكلمة دي تاني.
نظرت له بغضب وأشاحت بوجهها عنه في صمت، ونظرت إلى الجهة الأخرى، وكأنها تعلن أنها لا تريد النظر إليه مرة أخرى.
شعر باليأس يزحف إلى قلبه. تنهد عميقًا قبل أن يقف
سليم: خلاص. هنام على الأرض. أكتر من كده مش هعمل.
لكنها لم ترد عليه ولم تكترث لما يقول!؟
أخذ الوسادة والغطاء ووضعهم على الأرض، ثم استلقى على ظهره محاولًا أن يبدو مسترخيًا، لكنه تحدث بنبرة تُظهر ضعفه، ساعيًا لكسب تعاطفها
سليم: لو صحيت جسمي مكسر وتعبان، هتكوني السبب.
لكنها لم ترد، ولم تعطي له أي اهتمام.
ابتلع ريقه بصعوبة، فيبدو أن محاولته تلك لجذب انتباهها لم تُجدِ نفعًا.
زفر بتنهيدة طويلة، وفكر في حيلة أخرى: أنا بفكر أعملكِ إنتِي وسلوى الثلاث سنين الإعدادية في سنة واحدة. هي هتبقى شوية صعبة، بس هتكون أحسنلكم.
مرة أخرى، لم تعلّق، ولم تهتم، كانت عيناها تحدقان إلى الأعلى بصمت، بأفكارها غارقة في ذكريات غضبه وضربه لها.
شعر سليم بوجع في صدره، ومسح جبينه بيده المرتجفة، لكنه لم يستسلم، وحاول مجددًا: على فكرة، أنا عينت سكرتيرة جديدة النهارده… اسمها جومانة، جميلة جدًا.
لم يظهر على ملامحها أي اهتمام. كرر حديثه بنبرة أكثر استفزازًا: بقولك، عينت سكرتيرة جديدة. هتبقى معايا على طول، وملازماني!
انتظر أي رد، ولو مجرد كلمة، تشفي أنين قلبه لو قليلاً لكن الصمت كان سيد الموقف. أطلق تنهيدة محبطة وقال بنبرة مكسورة: شكل مافيش أي حاجة ممكن تثير انتباهك وتخليكي تردي عليا، الظاهر المرة دي زعلك زيادة.
نظرت إليه ماسة أخيرًا، وقالت بلهجة غاضبه مملوءة بالعتاب: إنت شايف إن مش من حقي أزعل وأخد موقف؟
أخفض سليم رأسه بحزن وقال: من حقك، والله من حقك، بس صدقيني، لو كنت واعي حتى 1%، مستحيل كنت أعمل كده. أنا حقيقي آسف. حقك على راسي. أنا أستاهل أي عقاب منك، وراضي بيه.
حاول كتمان دموعه، لكن عينيه خانتاه، فهبطت الدموع على وجنتيه. استدار على جنبه وغطى وجهه، متألمًا بقهر.
أما ماسة، فقد غلبها التعب بعد وقت من البكاء، حتى غفت أخيرًا، بينما بقي هو مستيقظًا طوال الليل، يغرق في عذاب ضميره.
♥️______🌹بقلمي_ليلةعادل ❤️______🌹
قصر الراوي
_ الحديقة الحادية عشر مساء
نشاهد صافيناز تجلس على الأريكة وبجانبها عماد وهى تقوم بمساعدته بعمل علاج طبيعي فى كفيه
كان يجلس معهم منى وطه وهما يحتسون القهوة.
صافيناز بإهتمام: لازم تعمل علاج ده مرة كل يوم.
طه بضيق: هتواجه سليم إزاى عايز أفهم؟
عماد بهدوء وثبات: عادى خلاص موضوع وإنتهى.
منى تساءلت بسمويه:إحنا كدة خلاص مش هنكمل؟
صافيناز نظرت لها بحدة: لا مش هنكمل عشان إنتم بتفكروا غلط وبتنفذوا، أغلط، أنا إللي هعمل كل حاجة إنتم بس اتفرجوا من سكات.
منى: ورينى شطارتك.
صافيناز بثقة: هوريكي.
طه بتوتر: والله العظيم سليم ما هيسيبنا لو شم خبر.
عماد بتعجب: خايف؟
طه ضيق عينه مستغرباً: إنت مش خايف بعد إللى اتعمل في إيدك وشعرها؟
عماد بغل: بالعكس أنا دلوقت يا قاتل يا مقتول.
صافيناز بتنبيه: أهم حاجة بلاش نقعد كتير سوا حتى هنا، أكيد فيه عصافير كتير.
منى؛ مظبوط طب إيه الخطوات الجاية.
تبسمت صافيناز بشيطانية: ماسة هي خطواتنا الجاية،هى لورجينا لسة هنا صح؟
عماد: اممم خلاص هتقعد على طول.
صافيناز بسعادة: جميل.
منى: هتعملى إيه؟
صافيناز: هقولك.
جناح فايزة وعزت
كان تجلس فايزة على الفوتيه تبرد أظافرها بينما كان يرن هاتف عزت وهو يضعه على الصامت.. كانت نانا تتصل به لكنه لم يرد.
فايزة بضيق: عزت شوفت الجرح إللى في أيد عماد؟
عزت بتعجب: جرح أيه؟
فايزة تشير لمنتصف كف يدها: هنا كان فيه جرح؟
عزت: يمكن اتعور.
فايزة بتعجب:فى الأتنين.
عزت بضجر: فايزة بطلي تركزي فى كل حاجة هتجيبي دماغ منين لكل ده!
فايزة بتهتم: أنا غلطانة إني بكلمك أنا هعرف بطريقتي.
استدرات وأكملت ما تقوم به نظر لها دون رد ورفعت هاتفها.
مطار القاهرة – العاشرة صباحًا
في إحدى الطائرات الخاصة المتجهة إلى مدينة الجونة، كان عماد وصافيناز يجلسان على المقاعد الفاخرة. عماد ينحني قليلًا ويساعد صافيناز في ربط حزام الأمان بحركة لطيفة وابتسامة دافئة ترتسم على وجهه.
عماد بصوت مليء بالحب: تمام يا قلبي؟
صافيناز وهي تتنهد براحة وتبتسم: تمام، بجد كنت محتاجة السفرية دي أوي.
نظر عماد إليها بحنان: عارف يا حبيبتي… كان نفسي نطوّل أكتر، بس للأسف لازم نرجع السبت.
هزت رأسها بهدوء وكأنها تُقنع نفسها: مش مهم، كفاية يومين أهدى فيهم وأنسى اللي حصل لي انا مش قادرة لحد اللحظة دي أنسى أن ابننا مات.
عماد محاولا اقناعها: يا حبيبتي عادي هنجيب غيره ما تقلقيش بعد ست شهور نجرب تاني ايه رأيك
صافيناز: ده أكيد.
أسندت رأسها على كتفه وكأنها تبحث عن الأمان في حضنه، بينما أمسك عماد يدها برفق.
في مكان آخر في إحدى الصالات الرياضية
كانت سارة ترتدي ملابس مناسبة، ملامحها تعكس القلق والغضب. كانت تحاول الاتصال بصافيناز، لكن وجدت هاتفها مغلقًا. شعرت بالضيق، وضغطت على أسنانها بقوة وعينيها تتوهجان بالشك. حاولت الاتصال بعماد، لكنها فوجئت أن هاتفه مغلق أيضًا.
همست لنفسها بغضب: أكيد في حاجة بتحصل من ورايا.
أمسكت هاتفها بقبضة قوية واتصلت بفايزة.
قالت بصوت هادئ لكنه يحمل قلقًا واضحًا: ألو، إزيك يا طنط؟ أخبارك إيه؟
أتاها صوت فايزة التي كانت تجلس في مكتبها في المجموعة بصوت رزين: الحمد لله، إنتِي عاملة إيه؟
سارة: تمام، الحمد لله. هو صافيناز فين؟ كنت بكلمها عشان كنا متفقين نروح النادي سوا، لكن تليفونها مقفول. حصل حاجة؟
جاء الرد من فايزة بهدوء قاتل: لا، صافيناز سافرت مع عماد الصبح. راحوا الجونة وراجعين السبت.
سارة بصوت حاولت أن يبدو طبيعيًا: والله، كويس. هي كانت فعلًا محتاجة السفرية دي. طب ليه يا طنط ما خليتوهاش تسافر أسبوع كامل؟
فايزة: للأسف عندنا شغل مهم واجتماعات.
سارة: أوكي، أكيد عشان هي في الطيارة تليفونها مقفول. حضرتك عايزة حاجة؟
فايزة: ميرسي.
سارة: سلام يا طنط، باي.
أغلقت سارة الهاتف، وملامح الغضب تتصاعد على وجهها. ضغطت على أسنانها بقوة، ويديها كادت تحطم الهاتف من شدة الغضب. همست لنفسها بغضب متصاعد: ماشي يا عماد، وبتوديها الجونة عشان تفسحها. ماشي. حاضر. أنا مش هكون سارة إلا لما أعلمك الأدب. وتبطل تشتغل من ورايا.
♥️______🌹بقلمي_ليلةعادل ❤️______🌹
في أحد المستشفيات الحكومية الثالثة مساءً
نشاهد نانا ممددة على السرير، متصلة بالمحاليل، وجهها شاحب وعيناها متعبتان. بجانبها تجلس صديقتها نور، سكرتيرة سليم، تحاول تهدئتها.
بعد قليل، فتح باب الغرفة ودخل عزت. فور أن رأته، أشاحت نانا بوجهها إلى الجهة الأخرى، وعيناها ممتلئتان بالدموع والحزن.
نور، توقفت باحترام: أهلاً يا عزت باشا.
عزت: أهلاً يا نور.
نور بإحراج: طب أنا هستأذن.
غادرت نور، جلس عزت على المقعد بجانب السرير.
تساءل عزت بضجر: ممكن أفهم إيه اللي عملتيه ده؟
نانا، بنبرة متعبة بعتاب: عملت إيه؟ بقالك أسبوع ما بتردش عليا ولا بتكلمني. فهمني عملت إيه لكل ده؟ عشان قلتلك نتجوز…حتى لو عرفي؟
عزت بضجر: فتروحي تنتحري؟ ده الحل بالنسبة لك؟
جلست نانا ببطء على السرير ودموعها لا تتوقف: كنت عايزني أعمل إيه؟ كلامك اللي قلته حسسني إني بنت رخيصة… إني عاهرة من الشارع. للدرجة دي شايفني كده؟!
وضعت يدها على صدرها محاولة كبح شهقاتها، ثم أكملت بصوت متهدج: أنا حبيتك بجد، آه، قلتلي إنك مش هتقدر تتجوزني عشان مركزك، وإن عندك ولاد كبار… بس اللي حصل بينا ما تنساش إنه حصل تحت تأثير الكحول… مش بمزاجي.
(فلاش باك)
في أحد الفنادق، نرى عزت بسن أصغر قليلاً جالسًا على طاولة مع مجموعة من رجال وسيدات الأعمال، ومن بينهم نانا. كانوا يناقشون أمور العمل، ثم رفعوا كؤوسهم لشرب نخب الصفقة.
عزت، بابتسامة إعجاب: إيه يا نانا، مش ناوية تشربي معانا؟
نانا، باحترام: حضرتك عارف إني ما بشربش.
عزت محاولا إقناعها: دي شمبانيا خفيفة، ما تقلقيش. اشربي.
نانا بتردد: بس يا باشا اا
قاطعها عزت وهو ينظر في وجهها: ولا حتى عشان خاطري يا نانا.
أقتربت نانا منه وقالت بنظرات أنثوية حارة :أنا عشان خاطرك اعمل اي حاجة يا عزت باشا… رفعت نانا الكأس بابتسامة.
بعد فترة، نرى عزت يسند نانا من خصرها وهي تضحك بثمالة، يتحركان في ممر يؤدي إلى غرفة في الفندق.
نانا، ضاحكة: شفت الراجل الأفريقي عامل إزاي؟ ومراته ههههه!
عزت، بنبرة ساخرة وهو يبتسم: دماغك خفيفة أوي.
نانا، وهي تتوقف فجأة وتخلع حذاءها بخطوات متعثرة: هو أنت عندك توأم؟
عزت، يضحك وهو يحاول موازنتها: أول مرة أعرف منك.
وصلا إلى باب الغرفة، حيث فتحت نانا الباب بيد مرتجفة بينما أغلقه عزت بهدوء خلفهما.
في صباح اليوم التالي
نرى نانا جالسة على السرير، تغطي جسدها بالغطاء، ودموعها تغمر وجهها. تنظر إلى الأرض بعينين زائغتين، بينما عزت يجلس أمامها مرتديًا برنس الحمام وكان يوجد على الفراش قطرات دماء تعلن عن فقدانها لعذريتها.
عزت، بصوت هادئ ومطمئن: أهدي، متخافيش. أنا مش هسيبك.
نانا، وهي تشهق باكية: ماكانش ينفع أشرب… وما كانش ينفع نوصل لكده. عزت،هو أنت هتتخلى عني؟
عزت: لا، بس لازم تفهمي… أنا مستحيل أتجوز على مراتي.
رفعت عينيها له متعجبة وهي تعقد بين حاجبيها: يعني ايه مش هنتجوز امال مش هتتخلى عني ازاي!!! أنا ضعت خالص أهلي هيقتلوني.
عزت: هنفضل مع بعض كدة.
نانا بنبرة بها حزن وتعجب وغضب: كدة ازاي يعني انت فاكرني ايه؟! ايه اللي بتقوله ده.
عزت بهدوء محاولا إقناعها: افهمي، ده لفترة مؤقتة. متنسيش عندي ولاد كبار وفايزة مراتي مش اي شخصيه عاديه ممكن تتقبل ده بسهوله، وممكن يحصل مشاكل كبيرة. إحنا بغنى عنها دلوقتي، بس أنا هخليكي تعيشي حياة ما تخطرش على بالك. هجيب لك عربية وشقة باسمك، واللي تطلبي في لحظه هتلاقي، هتبقى مع عزت الراوي، فهمه يعني ايه؟! إنتي عجباني يا نانا وبحبك. متخافيش، مش هتخلى عنك، بس برده أنا راجل مركزي كبير، وفي سني ده، لما يتجوز بنت في سن بنته، الموضوع بيكون صعب. اصبري، ولا إنتِي مش بتحبيني زي ما بتقولي؟
نانا، وهي تخفض عينيها وتبتلع دموعها: لا بحبك والله.. خلاص انا موافقة بس أوعدني تكتب عليا ولو عرفي.
هز راسه بإيجاب: بعدين قولتك.
(عودة إلى الحاضر)
عزت: بالظبط إنتي وافقتي.
نانا، بصوت متقطع يحمل الحزن: صح، قبلت لأنك قلت لي إن ده لفترة مؤقتة ولأني بحبك. صدقتك. كل ما كنت بحاول أفتح معاك الموضوع طول السنين إللي فاتت، تقولي: لسه، لسه… عايزة أفهم. لحد إمتى؟ الوقت لسه مش مناسب؟ فات أربع سنين، يا عزت؟ وبعدين؟
نظرت إليه مباشرة، والدموع تلمع في عينيها: انت قتلتني لما قلتلي أعمل عملية أو أتجوز حد غيرك. ما تصورتش إنك شايفني كده. عشان كده بلعت كل البرشام… عشان أموت نفسي. لولا نور لحقتني.
عزت، يضع يده على جبينه بإحباط: نانا، أنا…
قاطعته نانا، وهي ترفع يدها بتوسل: عشان خاطري… خلينا نتجوز عرفي. عايزة أحس اللي بنعمله حلال. عايزة أحس إني محترمة قدام نفسي. أنت عزت الراوي، خايف مني ليه؟
نظر عزت لها بصمت وملامحه متجمدة: أنا مش بخاف من حد أنا عزت الراوي لو ناسية؟!
نانا، بابتسامة حزينة: أمال هتفرق معاك في إيه؟ مش بتحبني يعني؟ هتقدر تبعد عن نانا اللي بتحبك؟
أمسكت يده، ونظرت إليه برجاء: أنا هرجعلك كل حاجة جبتهالي أنا مش عايزة حاجة… أنا بحبك أنت مش فلوسك.
صمت عزت، ولم يستطع الرد، بينما كانت نانا تنتظر جوابه وعيونها تفيض بالرجاء واليأس معًا اكملت.
، وهي تقترب منه بعينين تلمعان بالدموع وصوت متهدج: عزت… ليه مش قادر تشوف إني بحبك؟ أنا ما طلبتش منك حاجة تضرك، ولا حاجة تغيّر حياتك الكبيرة اللي خايف عليها. كل اللي بطلبه إنك مش تخليني أحس إني مجرد محطة عابرة في حياتك.
عزت، بتنهيدة خفيفة ونبرة جادة: نانا، إنتِي عارفة وضعي كويس. الموضوع مش بس سمعة أو مركز، ده مرتبط بكل المسؤوليات إللي بتحملها، وأنا لو أخطأت في أي خطوة ممكن أفقد كل شيء، بما فيهم بيتي وأولادي.
نانا، بنبرة ممتزجة بالألم والرجاء: “وأنا ماليش مكان في حياتك؟ أربع سنين وأنا معاك، ما طلبتش منك حاجة. تحملت كل حاجة، بس لحد إمتى؟ أنت مش فاهم إن كل لحظة بقضيها معاك بتقتلني أكتر لأنك مش شايفني زي ما أنا شايفاك.
نظرت في عينيه مباشرة، محاولة أن تجد أي شرارة تدل على أن كلماته تمس قلبه.
عزت، وهو يشيح بوجهه بعيدًا ليخفي ارتباكه: مش الموضوع إني ما بشوفكيش. الموضوع إن ده ما ينفعش! حتى لو عملنا اللي بتطلبيه، مش هيغير حاجة. علاقتنا هتفضل زي ما هي. في سر.
نانا، تقترب أكثر وتمسك يده، تتوسل إليه بعاطفة حقيقية: عزت، أنا مش عايزة حاجة كبيرة. ولا حتى أكون في حياتك قدام الكل. أنا بس عايزة أحس إن اللي بينا له معنى… له مكان. الجواز مش ورقة، الجواز هو إحساس إنك اخترتني… حتى لو في السر.
أخذت تنظر له تتظر منه الموافقة بعد كل ذلك الحديث
عزت نظر إليها للحظة طويلة، عينيه مليئة بالتردد،
و لكن في النهاية، تمتم بهدوء وهو يمد يده ليحاول مسح القلق عن وجهها:
موافق، بس لازم تفهمي حاجة. ده هيبقى في السر… بعيد عن الناس هيكون عرفي.
هزت رأسها بإيجاب بابتسامة عريضة، أضاف بنبرة جادة، كأنه يحاول أن يفرض حدودًا: ولازم تفهمي أنا اللي عملت كده بمزاجي،… علشان في حاجات بينا تستاهل، لكن لو كنتِي متخيلة إن ده هيكون حاجة علنية، تبقى بتحلمي وواستغنيتي عن باقي عمرك مفهوم.
تبسمت نانا بسعادة: قلتلك أنا مش عايزة أكتر من كده قامت بمعانقته
ارتسمت على شفتيها وعينيها إبتسامة خبيثة فقد حققت مرادها…
فلاش باك
في إحدى المستشفيات الحكوميه
مكتب الطبيب
نرى نانا تجلس على المقعد الامامي للمكتب و الطبيب أمامها، يبدو على ملامح وجهها الجدية.
نانا تحاول إقناعه: أنا كل اللي عايزاه ساعتين، تعلق لي فيها محاليل، وتخلي وشي أصفر، وتكتب لي تقرير تقول فيه إني حاولت الانتحار، وتعمل لي غسيل معدة. كل ده في التقرير، وهتاخد في المقابل 5 آلاف جنيه. إيه رأيك؟” قالت نانا بصوت هادئ، ولكنها كانت تراقب الطبيب بعناية.
أومأ الطبيب ابتسامة لا تصل الى شفتيه قال بموافقة: مفيش مشكلة، هعمل لك اللي عايزاه. قوليلي هتيجي إمتى؟
أجابت نانا بثقة: بكرة الصبح على 10.
هز الطبيب رأسه في صمت.
فلاش باك آخر
في السيارة نانا
نرى نانا تجلس بجانب نور، سكرتيرة سليم صديقتها المقربة.
نور بتردد: أنا خايفة… وبعدين، أنتي معرفة الباشا إني عارفة كل حاجة عنكم؟
نانا نظرت إليها بعينيها الحادتين، ثم قالت بهدوء، وكأنها تضع النقاط على الحروف: أيوه، وهو عارف إنك الوحيدة اللي عارفة. آمال أنتِي اشتغلتي إزاي في مجموعة الراوي بعد اللي حصل بينا؟ قلت له إني عندي صديقة مقربة عايزة تشتغل معانا، قال لي موافق. سليم كان لسه راجع وكان محتاج سكرتيرة.
نور سحبت نفسًا عميقًا، ثم قالت بصوت مبحوح: طب، إنتي عايزاني أقول له إيه بالظبط؟
نانا ابتسمت ابتسامة صغيرة، وكان في ابتسامتها شيء من الحيلة: ولا حاجة. هتتكلمي معاه، وتقولي له: ‘يا باشا، نانا انتحرت، وأنتي مرعوبة وخايفة وبتعيطي. بس الكلام ده الصبح وإحنا في المستشفى. هيقول لك: ‘أنتوا فين؟. ابعتي له العنوان في رسالة.
نور بدا عليها الارتباك، ورأسها كان مليئًا بالتساؤلات. “أنا مش فاهمة… يعني ايه العبط ده بتاعك ده… الجواز العرفي ده ممكن يعمل أي حاجة؟
نانا نظرت إليها بثقة شديدة وكأنها ترى المستقبل بوضوح تام: دلوقتي جواز عرفي، بعدين هيبقى جواز رسمي.
تبسمت نور بسخريه وقالت: إنتي بتحلمي يا نانا.
نانا بإصرار: وحياتك هيتجوزني وهيوافق. اصبري بس شوية.
نور سكتت، لكنها شعرت بشيء غير مريح يتسلل إلى قلبها. ماشي.
نعود إلى نانا وهي في أحضان عزت.
وما زالت تلك الابتسامة ترتسم على شفتيها وعينيها، ابتعدت قليلا وهي تنظر له بسعادة وفجأة تصنعت أنها شعرت بدوار مفاجئ. وضعت يديها على جبينها وكأنها تمثل الألم، ثم همست: “أنا دوخت فجأة، مش قادرة
ساعدها عزت لتجلس على الفراش. كان وجهه يحمل قلقًا صادقًا: ما تعمليش كده تاني، حياتك غالية عندي. قالها بلهجة دافئة، وكأنه يطلب منها أن لا تكررها.
نانا نظرت إليه بعينيها المليئتين بالتعب، همست، وكأنها تكشف له عن جزء من نفسها المكسورة: بس حياتي من غيرك ملهاش لازمة.
نظره لها بصمت دون تحدث قال: ارتاحي طيب.
_ مزرعة الفيوم
_ غرفة النوم الثانية عشر ظهراً
_ نشاهد ماسة تغط في سبات عميق ومازالت على ذلك الوضع في تلك الزواية مستندة بظهرها على الحائط بينما فراش سليم فارغ وبعد دقائق ..
بدأت تستيقظ وكان يبدو عليها التعب في مختلف جسدها أثر الضرب ونومتها هكذا طوال الليل .. نظرت بعينيها على فراش سليم ووجدته فارغا !! لم تكترث .. نهضت وتوجهت إلى المرحاض ..
_ المرحاض
_نشاهد ماسة تقف أمام المرآة وتركز نظرها في ملامحها فكان أثر الصفعات على وجهها مازال موجودا وبعض العلامات الزرقاء ….
وقعت عيناها على ذلك الخاتم الذي نسيته على حافة الحوض. أمسكته بيدها، ونظرت إليه بعينيها المليئتين بالكراهية، تشعر أنه السبب فيما حدث لها وضعته مكانه بغل وهي تجز على أسنانها، غسلت وجهها عدة مرات، ثم رفعت رأسها لتنظر إلى انعكاسها في المرآة بقوة قالت بصوت منخفض وحازم: مش هاسامحك، أنا بدأت أخاف منك بجد يا سليم مش كلمة خرجت مني وقت غضب.
بدأت بخلع ملابسها ببطء، كاشفة عن علامات زرقاء على كتفها وقدميها، علامات حكت عن ألم لم تستطع نسيانه، وقفت تحت الدش، والماء ينهمر عليها وكأنه يحاول أن يغسل حزنها، أخذت حمامها بصمت، محاولةً جاهدة أن تطرد ذكريات الليلة الماضية، بعد الانتهاء،خرجت وهي ترتدي برنص الحمام وقد بدت وكأنها تحمل عبئًا لا تستطيع التخلص منه.
جلست على الفراش، تدفن وجهها بين كفيها بحزن واختناق، كل ما تريده الآن هو الابتعاد عن سليم، فقد كسر قلبها بفعلته تلك، كانت تشعر بخوف غريب من الرجل الذي طالما شعرت معه بالأمان والطمأنينة، وها هو الآن قد أصبح مصدر ألمها وكسر فؤادها، أخذت تفكر باضطراب، تتذكر كل ما حدث في تلك الليلة السوداء: غضبه، ضربه لها، رغم أنها لم ترتكب أي ذنب. كما تذكرت اعتذاره، ودموعه، وتوسلاته لتسامحه…
رفعت رأسها إلى الأعلى، بعينين غارقتين في الدموع، لا تعرف ما الذي يجب أن تفعله، أطلقت أنفاساً طويلة، ثقيلة، ومتعبة، ثم هزت رأسها برفض. يبدو أنها اتخذت قرارها أخيراً: ستغادر لبعض الوقت لتستعيد توازنها، توجهت إلى خزانة الملابس، أخرجت حقيبة سفر صغيرة، ووضعتها على الفراش. بدأت بإخراج بعض الملابس، وأثناء ذلك رفعت جسدها لتبحث عن هاتفها. تذكرت بعد ثوانٍ أنه في حقيبة يدها التي تركتها في الطابق الأول. عضّت على أسنانها بضيق؛ فهي لا تريد مواجهة سليم الآن. ولكن بينما كانت منشغلة، فتح سليم باب الغرفة ودخل.
فور أن رأته، تراجعت للخلف ونظرت إليه بخوف، لكنها تصنعت القوة وسألته بحدة: إيه اللي جابك هنا؟
رد سليم بهدوء: بطمن عليكي، مش أكتر.
كاد يكمل جملته، لكنه توقف فجأة حين وقعت عيناه على الحقيبة، تجمد مكانه وكأن عقله توقف للحظة. أشار إليها بيده المرتجفة وسأل بصوت مكتوم:
إيه ده؟
نظرت ماسة إلى الحقيبة بتوجس للحظة، لكنها سرعان ما استعادت قوتها وقالت ببرود: شنطة هدومي.
ابتلع سليم غصته بصعوبة، وشعر بمرارة تخنق حلقه. قال بصوت ضعيف بالكاد يستطيع نطقه: عايزة تسيبيني يا ماسة؟
نظرت إليه ماسة بوجع، تحاول بكل ما لديها من قوة ألا تضعف، ثم قالت بأسى: أيوه، هروح لماما. أنا خايفة منك، مش هاعيش معاك تاني.
أكملت ماسة ما تقوم به بهزات متتالية، بينما هرول سليم نحوها وهو يهز رأسه رافضًا، بدأ يخرج الملابس من الحقيبة بطريقة عشوائية، كالمجنون، قائلاً بوجع: لا لا مستحيل! إنتِي مش هينفع تسيبيني، أنا بحبك، مش هتمشي.
رفعت ماسة رأسها ونظرت له بقوة، وهي تحاول أخذ قطعة من الملابس التي بين يديه،قالت بعنف:
مامشيش ليه؟! قولي مامشيش ليه؟ ومش هينفع ليه؟ لا هينفع، هينفع يا سليم، أوعى لو سمحت.
سليم، وهو يمنعها، قال بنبرة حزينة ومتوسلة:
لا يا ماسة، مش هقدر أعيش من غيرك. اعملي أي حاجة إلا دي، عاقبيني بأي طريقة إلا إنك تسيبيني. مش هينفع، والله ما هينفع، أنا مقدرش أعيش من غيرك يا ماسة.
نظرت له ماسة بغضب، وصاحت في وجهه بنبرة مليئة بالأسى والألم، ودموعها تنهمر:
“لا، هتقدر ،زي ما قدرت تضربني،زي ما قدرت توجعني، زي ما قدرت تخوفني، زي ماقدرت تعمل فيا كل ده، هتقدر تعيش من غيري.
بينما كانت عينا سليم تنظران إليها بندمٍ عميق، وهي تغرق في دموعها …
صاحت بجنونٍ وتشنّج: ما تبصليش كده! ما تبصش كده!
ثم أخذت أنفاسها بصعوبة، وكأنها على وشك الاختناق، قبل أن تنطق بصوت متهدج: أنت خذلتني.
كان سليم يستمع لكلامها وهو ينظر لها بألم، وقلبه يطوي بصمت حزين، يعصف به الوجع حتى كاد قلبه يخرج من صدره من شدة الألم.
وفجأة، أطلقت ماسة العنان لدموعها التي لم تستطع كبحها أكثر، وقالت بصوت مكسور: انت كسرت قلبي، قلتلك متبقاش زيهم، طلعت أسوأ منهم، وعدتني وصدقتك. كل وعودك كانت كذب في كذب. كل مرة تتحجج إني الغلطانة، رغم إنك عارف جوه نفسك إني مش غلطانة، بس لأني بحبك، كنت بنسى كنت بعدي كنت بسامحك… لكن شكل مُسامحتي ليك، خلتك تدوس عليا… (بنبرة تخرج بصعوبة) تدوس عليا أنا، أنا حبيبتك يا سليم، أوعى تفتكر إن الضرب هو اللي وجعني ! أنا اللي وجعاني أنت، أنت وجعتني هنا…
أشارت بإصبع يدها على قلبها أضافت:
هنا بالظبط، جوه قلبي اللي حبك وصدقك.
أخذت أنفاسها بصعوبة، تمسح دموعها بألمٍ مميت. أكملت كلماتها، وقد تحطم قلبها تحت وطأة وجعٍ عميق: أنت خلتني أخاف من الشخص الوحيد اللي كنت بحس معاه بالأمان
كان صمتها بعدها كالثقل الذي يسحق قلبه، وكأن كلماتها كانت الجرح الأعمق.
اقتربت منه حتى توقفت أمامه مباشرة، ونظرت داخل عينيه بدموع تنهمر على وجنتيها، بينما هو ينظر إليها بعينين ممتلئتين بندم وانكسار. كلماتها كانت كخنجر بارد يطعن قلبه، لكنه يعلم أنه يستحق هذا العذاب.
اكملت ماسة وعينيها تسيل بالدموع تبسمت نصف إبتسامة: كنت دايماً أقول إنك الأمان سليم أماني ملاكي الحارس… حتى بعد ما اتخطفت، الإحساس ده زاد أضعاف… مش كنت بأقولك إني مستحيل أخاف طول ما انت جنبي؟
هز رأسه بالإيجاب بصمت وحزن، ثم ردت: بس دلوقت إنت خلتني أخاف منك إنت يا سليم، أخاف من الشخص الوحيد اللي كنت بأشعر معاه بالأمان..
أشارت بيدها برجاء و بنبرة مكتومة:
لو سمحت، سبني أمشي. سبني أكلم ماما تيجي تاخدني وأمشي. كفاية.
كانت كلمات ماسة كالرصاصات السامة، تخترق قلبه بصمتٍ موجع، تترك خلفها جروحًا لا تُرى، لكنها تنزف بعمق.
تقدم سليم نحوها وهو يهز رأسه بجنون ورفض بندم يخنق نبره صوته:
لا يا ماسة، أنا سليم، حبيبك كراميل. عارف إن غلطتي كبيرة، بس بلاش كلامك ده، أنتي بتقتليني بيه، بس لو كلامك ده هو اللي هيشفي غليلك، قولي… عذبيني، خدي تارك مني، بس أوعي تسبيني، أوعي تمشي، أنا مش هقدر أعيش من غيرك. سامحيني…
أمسك بيدها التي حاولت إبعادها، بتوسل:
فرصة بس، فرصة أخيرة ..
وضع قبله على يدها أضاف: دي غلطة مستحيل تتكرر.
قاطعت ماسة محاولته قائلة، وهي تسحب يدها بجمود كأنها قطعة جليد: كل مرة تقول كده!
قاطعها سليم سريعًا، وكأن كلماته تتسابق للخروج قبل أن تخذله شجاعته: لا، والله… دي آخر مرة. هروح لدكتور يعالجني، ولو عملت كده تاني…
توقف فجأة، وكأن شيئًا ما علق في حلقه، عيناه تلمعان بدموعٍ لم تسقط بعد. ثم نطق بصوتٍ مكسور، وكأن روحه تُنتزع فهو أضعف من أن ينطق بها:
امشي… أمشي وسبيني، لأني فعلاً أستحق ده… بس فرصة، فرصة واحدة! ماسة، أرجوكي، متخليش غلطة تهد كل اللي ما بينا.
كان صوته يحمل كل التوسل والألم الممكن، كأنه يُلقي بآخر ما لديه في محاولة يائسة لإنقاذ شيء لم يعد يملك السيطرة عليه.
نظرت إليه ماسة بعينين مليئتين بالحزن، تُصارع ضعفها أمام كلماته ورجائه. الأفكار تتلاطم داخلها كالأمواج، بين الرحيل الذي يحمل كرامتها، والبقاء الذي يحمل ذكرياتهم وعشقهما الابدي . بعد دقائق من الصمت الثقيل، رفعت عينها نحوه وقالت بصوتٍ مرتجف …..
تفتكرو ماسة هتقعد ولا هتمشي

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)

في نهاية مقال رواية الماسة المكسورة الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم ليلة عادل نختم معكم عبرالمجد برس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى